كتبت مؤخراً من مدينة «ماريوبول» الأوكرانية، أن الرئيس فلاديمير بوتين سيقترف خطأً لو أنه هاجم المدينة التي كانت يوماً صديقة لروسيا. وربما أن الولايات المتحدة ستقترف خطأ مماثلاً لو أنها زودت أوكرانيا بالأسلحة. وقد ناشد بعض الأشخاص المثقفين والباحثين الأذكياء، من زبيجنيو بريجينسكي إلى ستيفين بايفر، بقوة من أجل فعل ذلك، ويعني اختيار أوباما لـ «أنتوني بلينكن» كي يشغل منصب الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية، أنه منفتح على هذه الفكرة. وتحتاج أوكرانيا الأسلحة بالتأكيد، خصوصاً في المنطقة المحيطة بـ «ماريوبول»، المطلة على بحر «آزوف» في إقليم «دونتسك». والغريب أن المدينة لا يساورها القلق، رغم أنها في مرمى هجوم جديد وعد به المتمردون، والسبب الوحيد في فشل الهجوم الأخير في نهاية أغسطس الماضي كان بفضل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. ورغم ذلك، كانت ميلشيا واحدة متطوعة مسلحة بأسلحة خفيفة هي «كتيبة أزوف» تدافع عن «ماريوبول». أما الآن لدى المدينة ثلاثة خطوط دفاع، هي مدفعية ثقيلة وقوة جيش نظامي كبيرة وحرس وطني منتشر في محيطها. وتقوم كتيبة «آزوف» بحراسة المدينة من قاعدة نائية على مقربة من مصنع حديد ضخم في المدينة. والشعار العسكري الجديد على زي جميع قوات الدفاع عن «ماريوبول» هو: «الانتصار فقط». ويبدو هذا الإيمان في دفاعات «ماريوبول» مؤثر، لكنه في غير محله؛ ذلك أن القوات الأوكرانية متمركزة عند حافة المدينة ناحية الشرق، ويبعد المتمردون نحو عشرة أميال، وعلى بعد عشرين ميلاً أخرى توجد الحدود الروسية، ويمكن لروسيا سواء في الوقت الراهن أو خلال الربيع أن تنشر ما يلزم من قوات لفتح هذا الممر البري عبر «ماريوبول» وحولها إلى شبه جزيرة القرم. وفي غضون ذلك، أضحت هناك جبهة أمامية على طول نهر «كالميوس» الذي يجري في شمال شرق المدينة، ويختبر المقاتلون الانفصاليون، المسلحون بطائرات من دون طيار، الدفاعات الأوكرانية يومياً. وتتلقى القرى المحيطة ضربات بسبب عمليات القصف غير الدقيقة من كلا الجانبين، وفي كثير من الحالات تُقطع عنها الكهرباء والتدفئة والوصول الآمن إلى الإمدادات؛ لذا يعتبر الوضع بائساً. وفي غضون ذلك، تزيد الحرب كدراً، ففي الثاني من نوفمبر الجاري، انفجرت سيارة مفخخة عند نقطة تفتيش رئيسية عند المدخل الشرقي لمدينة «ماريوبول»، وأسفرت عن مقتل اثنين. وأفاد السائق الذي صارع الموت لفترة وجيزة إن السيارة تم تفجيرها عن بعد من طائرة من دون طيار. وقُتل نحو ألف شخص منذ وقف إطلاق النار في الخامس من سبتمبر، حسب تقرير للأمم المتحدة، بينما انهار القانون والنظام في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. ومثل هذه الفوضى يمكن أن تزعزع استقرار أوكرانيا لسنوات. وكي يتم إرساء دعائم الاستقرار وردع أي اعتداء من قبل المتمردين، سيحتاج الجيش الأوكراني إلى كميات كبيرة من الأسلحة الدفاعية المتطورة، مثل أنظمة الصواريخ الموجهة والمضادة للدبابات. ولو أن هذه الأسلحة كانت صناعة أميركية، سيستلزم الأمر أيضاً مدربين لتدريب الجنود الأوكرانيين على استخدامها. ويبدو أن كثيراً من سكان «ماريوبول» يرغبون في ذلك، ومن بينهم عمدة المدينة. لكن رغم افتراض أن روسيا لا تتطلع إلى التسوية، وستدفع بالأمور إلى أن تنهار أوكرانيا، إلا أن تسليح الولايات المتحدة أوكرانيا فكرة سيئة. والسبب الأكثر أهمية وراء ذلك هو أنه سيجعل من أسطورة أن روسيا ترد على عدوان الناتو في أوكرانيا حقيقة. وليس ثمة شيء يمكنه زيادة التأييد في روسيا لخوض الحرب في أوكرانيا أكثر من تصوير الأسلحة الأميركية تقتل الروس على الحدود، خصوصاً أن نسبة التأييد في الوقت الراهن 13 في المئة فقط. والسبب الثاني، هناك أبعاد قليلة في هذه الحرب، إذ ربط تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» على نحو مقنع القوات الأوكرانية باستخدام قنابل عنقودية في مناطق سكنية، وهي جريمة حرب بالنسبة لكثير من الدول، ومن المؤسف أن أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة لم توقع على معاهدة الذخيرة العنقودية. وستحاول أوكرانيا سحق المتمردين، بتكلفة بشرية كبيرة، إذ اعتقدت، وإن كانت مخطأة، أن لديها القدرة والدعم الأميركي. وأخيراً، لا تعتبر الأسلحة الأميركية هي الخيار الأمثل لأوكرانيا، والمطلوب هو نوع من الأسلحة ذات التصميم السوفيتي التي تعرف القوات الأوكرانية بالفعل كيفية استخدامها، والتي لا يمكن أن تصبح سلاحاً دعائياً في أيدي مروجي الدعاية الروس. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»